قصة: وحدها في الظل
كان البيت هادئًا كما هو دائمًا، فقط صوت عقارب الساعة يملأ الفراغ، يعلن مرور الوقت بلا رحمة. جلست ليلى على الأريكة، متكئة على ذراعها، تحدق في الجدار الذي فقد ألوانه منذ زمن بعيد. كانت تحمل كتابًا، لكنه بقي مفتوحًا على نفس الصفحة منذ أيام. عيناها لم تعد تتابع الكلمات؛ كانت تائهة في أفكارها، تحاول أن تملأ فراغ قلبها الذي أصبح أثقل من كل شيء حولها.
تزوجت ليلى منذ سبع سنوات، في يوم كان مليئًا بالفرح والأمل. كانت ترى في زوجها، سامي، شريكًا لحياتها، وصديقًا يسندها في أوقات الشدة. لكنه مع مرور الوقت، بدأ يتغير. لم يعد يعود إلى البيت إلا متأخرًا، مشغولًا بعمله أو أصدقائه. وإن حضر، كان جسده فقط هو الحاضر، أما عقله وروحه فكانا في مكان آخر.
كانت ليلى تجهز له العشاء كل مساء، ترتب الطاولة بعناية، وتنتظره بلهفة. لكنها غالبًا ما تجد نفسها جالسة وحدها، تأكل بصمت، فيما يظل طعامه باردًا حتى الصباح.
ذات مساء، قررت أن تتحدث معه. كانت تضع فنجانًا من القهوة أمامه، وجلست مقابله، تحاول أن تلتقط أي لمحة من اهتمام في عينيه.
قالت بصوت مكسور: "سامي، هل ما زلت تهتم بي؟ هل تلاحظ أنني هنا؟"
رفع عينيه عنها ببطء، وكأن كلماته خرجت من عالم بعيد: "بالطبع أهتم. لكنك تعرفين، العمل يأخذ كل وقتي."
كانت الإجابة باردة، مثل الجدار الذي كانت تحدق فيه. شعرت ليلى بأن قلبها يغرق أكثر.
مرّ الوقت، وبدأت ليلى تعيش في عالمها الخاص. كانت تجد السلوى في أشياء صغيرة: نبتة تحاول العناية بها، كتاب جديد تأمل أن يُخرجها من واقعها، أو حتى في الكتابة. بدأت تكتب عن مشاعرها، تصب ألمها على الورق، تترك الحبر يحمل ثقلها.
لكن الألم لا يزول. كانت تراقب الأزواج الآخرين في الحي، تراهم يسيرون معًا، يضحكون، يتشاركون اللحظات الصغيرة. تساءلت في نفسها: هل أنا أستحق أقل من ذلك؟
ذات يوم، بعد أن عاد سامي متأخرًا كعادته، وقبل أن يذهب إلى غرفة النوم دون أن يتبادل معها أكثر من جملة، قالت له بهدوء: "سامي، نحن بحاجة إلى الحديث."
توقف لبرهة، ثم جلس على الكرسي القريب منها. كانت المرة الأولى منذ فترة طويلة التي يجلس فيها ليستمع.
"أنا وحيدة يا سامي. أشعر وكأنني أعيش مع شبح، أنت هنا جسديًا، لكنك بعيد عني في كل شيء. لا أريد حياة كهذه. تزوجنا لأننا أحببنا بعضنا، لأننا كنا نريد أن نبني حياة معًا. أين ذهب كل ذلك؟"
ظل سامي صامتًا. ربما لأنه كان يعلم أنها على حق، أو ربما لأنه لم يكن لديه الإجابة.
قالت ليلى: "أنا لا أطلب الكثير، فقط أن تكون هنا، أن تشاركني حياتي. وإلا، فما الفائدة من هذا الزواج؟"
في تلك الليلة، بقي سامي مستيقظًا، يفكر في كلماتها. كان يدرك أنه أخذها كأمر مسلم به، وأنه لم يعد يبذل جهدًا ليكون الزوج الذي تستحقه.
مرت الأيام، وبدأ سامي يحاول ببطء أن يعود. كان الأمر صعبًا، لكنه بدأ يخصص وقتًا للجلوس معها، يتحدثان عن يومهما، ويذهبان معًا في نزهات قصيرة. لم يكن الأمر مثاليًا، لكن ليلى شعرت بفرق.
كانت تعرف أن الطريق طويل، وأن الشفاء من سنوات الإهمال لن يحدث في يوم وليلة. لكنها أيضًا تعلمت درسًا مهمًا: الحب يحتاج إلى اهتمام دائم، مثل نبتة تحتاج إلى الماء والضوء لتنمو.
وفي كل ليلة، كانت تكتب في دفترها الصغير، تذكر نفسها بأن الأمل لا يموت أبدًا إذا كان هناك من يرغب في المحاولة.